على الرغم من أهمية سرعة البدء في تنفيذ مشاريع
الطاقة الشمسية في بلادنا، نظرا إلى الحاجة الملحة لوجودها على أرض الواقع، إلا أنها لم تكن بعد من ضمن الأولويات. وتبحث عن الأسباب، فلا تجد واحدا منها مقنعا. اللهم إلا غياب الجهة التي من المفترض أنها ستكون المسؤولة عن تبني فكرة استخدام وإنشاء مرافق الطاقة الشمسية. وهذا أمر لا يزال قائما. فهل لنا أن نأمل أن تنتشلها الرؤية المباركة من عالم النسيان إلى المشاركة الفعالة في بناء التنوع الاقتصادي؟ فقد وضعت الرؤية مستوى متواضعا من مشاريع
الطاقة الشمسية لا يتجاوز عشرة ميجاواط خلال الـ 14 عاما المقبلة، وهو زمن اكتمال خطة الرؤية، إذا قدر الله وتم تنفيذ بنودها حسبما هو مرسوم لها. وفي رأينا أن مشروع بناء منشآت الطاقة الشمسية كما هو مقترح في الرؤية، يضاعف مرتين ليصبح 30 ميجاواط كحد أدنى. ويكون نواة لتوطين صناعة الطاقة الشمسية في مجتمعنا. والطاقة الشمسية بالنسبة لنا في المملكة، ليست فقط مجرد إمداد بالطاقة التي نحن أحوج ما نكون إليها، بل يعني ذلك توفير كميات هائلة من البترول الخام القابل للتصدير والمشتقات البترولية الثمينة. وهي، كما هو معروف للجميع، مصدر نظيف وله أهميته القصوى عند الحديث عن مفاوضات المناخ. فهو حجة لنا لا علينا. أما توطين صناعة الطاقة الشمسية في بلادنا، وهو الهدف الأسمى الذي نأمل تحقيقه، فيتمثل في توليد عشرات الآلاف من الوظائف للشباب. وهو ما سوف يضيف إلى الاقتصاد المحلي. وبعبارة أوضح، فتوليد الطاقة الشمسية من مواد وصناعة محلية يكاد يكون أفضل وسائل تنويع الدخل الذي لا يعتمد على البترول.
وإذا التفتنا يمينا وشمالا، نجد أن كثيرين قد سبقونا إلى إنشاء مرافق كبيرة للطاقة الشمسية، ممن هم أقل إمكانات من وضعنا. وذلك على الرغم من أننا كنا من أول من أنشأ مرافق بحثية للطاقة الشمسية وأكثر من تحدث عن إمكانية تصدير فائض إنتاجها. وها نحن، بعد عشرات السنين لا نزال نراوح مكاننا وغيرنا يتقدم إلى الأمام بخطى ثابتة نحو مستقبل الشمس المشرق. وفي الوقت نفسه، فنحن نستهلك كميات كبيرة من البترول الخام لتغطية ذروة الطلب على التيار الكهربائي. وكان، ولا يزال، بإمكاننا توفير كميات البترول التي تذهب هدرا عندما نقوم بإنشاء المرافق الشمسية التي ذروة عطائها توافق ذروة الطلب على الكهرباء. ليس ذلك فقط، بل سنوفر بناء محطات توليد بتكلفة عالية من أجل العمل ساعات محدودة وسط النهار. وهو ما يضاعف تكلفة التوليد الكهربائي التقليدي أوقات الذروة، إذا قورن بالمولدات التي تعمل على مدار الساعة.
كانت تكلفة الوحدة الكهربائية، كيلو واط/ ساعة، قبل 30 عاما من الطاقة الشمسية، تبلغ ما يقل قليلا عن خمسة دولارات للكيلو واط/ ساعة. ويقدر العزيز الحكيم أن تنخفض التكلفة سنويا دون توقف حتى بلغت اليوم مستوى لم نكن نحلم به ولم يطرأ على خيال أحد من البشر. في الوقت الذي نجد فيه جميع مصادر الطاقة الأخرى، ما عدا ربما طاقة الرياح، ترتفع أسعارها مع مرور الوقت وليس العكس. ولو عدنا إلى عهد قريب، إلى ما قبل ثلاث سنوات، لوجدنا أن السعر آنذاك قد وصل إلى مستوى يقارب عشرة سنتات. وانبهرنا عندما علمنا بنزول السعر في السنة الماضية إلى ستة سنتات. وكان الظن أن ذلك يمثل أدنى سعر في الزمن الحاضر. وإذا بنا نفاجأ الأسبوع الماضي بعقد الإمارات مع إحدى الشركات الوطنية السعودية لإنشاء محطة للطاقة الشمسية لتوليد 800 ميجا واط بسعر خيالي، أقل من ثلاثة سنتات للكيلو واط/ ساعة، وهو ما يقابل إحدى عشرة هللة. هذا سعر مغرٍ جدا. فهل ننتظر حتى يصل السعر أدنى من ذلك، مع استمرارنا في حرق وقود له في السوق سعر مضاعف؟ فكلما تأخرنا تأخرت معه خبرتنا وفقدنا كثيرا من المال واستنزفنا ثروتنا البترولية ونحن باستطاعتنا توفيرها.
نحن والعالم مقبلون على ثورة في الطاقة الشمسية، ليس فقط بسبب تدني تكلفتها وكسب فوائدها الكثيرة، بل لأن المجتمع الدولي سوف يعاني نقصا حادا في مصادر الطاقة الرخيصة. وهذا ليس تخمينا، فهي نظرة مبنية على الوضع الحالي لحقول البترول التي نسبة عالية منها قد بلغت الذروة وأوشكت على فقد جزء كبير من إنتاجها. في الوقت الذي لا يزال الطلب العالمي يرتفع سنويا بما يزيد على مليون برميل يوميا. وهذه من الأمور المهمة التي لا يتحدث عنها الإعلام وتخضع لغطاء كثيف من عدم الشفافية في معظم الدول المنتجة. فما نشاهده اليوم وما نقرأ عنه فيما يتعلق بالاحتياطيات المتبقية من البترول التقليدي الرخيص وتكلفة الإنتاج قد لا يمثل الحقيقة. وهو أقرب لكونه يعاني التضخيم غير المبرر. جميع هذه العوامل ترجح أن يجد العالم نفسه مضطرا إلى استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة ورافد للبترول. ومن حسن الطالع أنها الآن تنافس جميع مصادر الطاقة الأخرى.