بسم الله الرحمن الرحيم
استكمالا لما بدأناه سابقا فى الاستعداد لصيام شهر رمضان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَال: لمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ جَاءكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌمُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَليْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وتُغْلقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَتُغَل فِيهِ الشَّيَاطِينُ،فِيهِ ليْلةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" (خرَّجه الإمام أحمد في مسنده).
يقول "ابن رجب الحنبلي" في شرح هذا الحديث: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، وكيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لايبشر العاقل بوقتٍ تُغَل فيه الشياطين.
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزف لأصحابه البشرى بقدوم رمضان.. إنه الحبيب الذي طال انتظاره، لقد استبدالشوق بالقلوب، وإن لقدوم الحبيب الغائب لفرحة ما أروعها من فرحة.. إنه الحبيب وقد علمنا بموعد قدومه وأن موكبه في الطريق إلينا.
فكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعد لهذا الموكب الكريم؟
شعبان والاستعداد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعدلاستقبال رمضان من أول شعبان، فكان يستعد استعدادًا عمليًّا ونفسيًّا الاستعداد لرمضان من شعبان
استعداد عملي استعداد نفسي
الصيام ، القيام وقراءة القرآن ، الدعاء ، ذكر رمضان وفضائله
عَنْ عَائِشَةَ- رضي اللهُ عَنْهَا- قَالتْ: كَانَ رَسُول اللهِ عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُول: لا يُفْطِرُ،وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُول: لايَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُرَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَل صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ في شَعْبَانَ"
)أخرَّجه الإمام البخاري في صحيحه(
وعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَال: قُلتُ: يَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ، لمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُمِنْ شَعْبَانَ،قَال: "ذَلكَ شَهْرٌ يَغْفُل النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ" (خرَّجه النسائي في سننه)
وكأن الشاعر قد حاول أن يدرك سر اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعبان قبل رمضان، بل وبرغب، فهمس في المسلمين قائلاً:
مضى رجبٌ، وما أحسنتَ فيه * فيا من ضيَّع الأوقاتِ جهلاً
فسوف تفارقُ اللذاتِ قهرًا * تداركْ ما استطعت من الخطايا
على طلبِ السلامِ من الجحيمِ * وهذا شهرُ شعبانَ المبارَكْ
بحرمتها، أفِق، واحذر بَوارَكْ * ويخلي الموتُ- كَرهًا- منك دارَكْ
بتوبةِ مخلصٍ، واجعل مدارَكْ * فخير ذوي الجرائم من تدارَكْ
التمرين على الصيام من شهر شعبان
يقول "ابن رجب" في كتاب لطائفالمعارف: وقد قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام شهر رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضانعلى مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجدبصيام شعبان قبله حلاوة الصيامولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
يقول أنس بن مالك صاحب رسولالله صلى الله عليه وسلم : كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبُّوا على المصاحففقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهمتقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان، وقال أحد السلف: شعبانشهر القُرَّاء، فالذي تعود علىالمحافظة على ورده القرآني قبل رمضان سيحافظ عليه إن شاء الله - فيرمضان.
وقد سُئِل أحد الصالحين عنالمسلم يبدأ في قراءة القرآن بعد طول غياب فيثقل عليه ذلك حتى لا يكاديتم آيات معدودات منه، فردعليه بأن يقاوم هذا الشعور، ويستمر في القراءة، فذهب ثم عاد فقال: العجيب أنني بعد قراءة حواليرُبعَيْن من القرآن استمرت بي الرغبة في القراءة فلم يعاودني ذلكالشعور.. فقال الرجل الصالح: وهذا حال القرآن مع الغافلين، فالقرآن في حد ذاته شفاء لما في الصدور،وكثرة البعد عنه ترسب علىالقلب الصدأ والران، فتقوم الآيات الأولى بجلاء القلب، وهذا الأمر فيه مشقةوجهد تأباه النفس، فإذا قاومنارفض النفس يقوم القرآن بمهمته حتى ينجلي القلب ويصبح محلاً لتلقي نور القرآن، ويصبح المؤمن كما فى الآية :﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيتْ عَلَيْهِمْآيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًاوَعَلَى رَبِّهِمْيَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال:2(
فقراءة القرآن في شعبان تزيلصدأ الشهور الماضية، حتى يستنير القلب، ويصبح محلاً طيبًا لتأثير القرآنبالهدى والتقى والنور فيرمضان.
وهو من الاستعداد النفسيوالقلبي، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب يدعو قائلاً: "اللهُمَّ بَارِكْ لنَا فيرَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَبَارِكْلنَا في رَمَضَانَ" (أخرَّجه الإمام أحمد في مسنده) .
ويقول المعلى بن فضل: كانوايدعون الله عز وجل: ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهرأن يتقبل منهم، وكأن مناديَشعبان ينادي:
يا من طالت غيبته عنا، قد قربتأيام المُصالَحة، يا من دامت خسارته، قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، منلم يربح في شهر رمضان، ففي أيوقت سيربح؟من لم يقترب فيه من مولاه فهو على البعد لا يبرح؟!.
من ذا الذي ما كفاه الذنبُ فيرجب * حتى عصى ربَّه في شهرِ شعبان
لقد أَظَلَّكَ شـهْر الصومِبعــدَهُما * فلا تصيِّره أيضًا شـهر عصيانِ
وقال "يحيى بن أبي كثير": مندعاء الصالحين في رمضان: اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم ليرمضان، وتسلَّمه منيمتقبَّلاً.فإن المحبين لا يصبرون عنالحديث حول محاسنه وفضائله، فمن الاستعداد المعنوي لشهر رمضان أنيكثر المرء من الحديث عن هذاالشهر الكريم وذكرياته معه، وكذلك الإكثار من ذكر فضائله ومدارستها.
ومن أشكال تذكُّر رمضان وفضائله الجلوس مع الاهل والأولاد- ولو مرة أسبوعيًّا- خلال شهر شعبان .. وقرأة كتب عن فضل شهر رمضان .
(( وَقُل لِّعِبَادِييَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّالشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)) (الاسراء 53)
اللهمَّ بلِّغْنا شهر رمَضان الكريم
انتهى جزاكم الله عنا خيرا