ماليزيا .. و تجربة الدينار الإسلامى بدلاً من الدولار
ماليزيا .. و تجربة الدينار الإسلامى بدلاً من الدولار
محاضير محمد
رئيس وزراء ماليزيا السابق
تستخدم ماليزيا الدينار الذهبي الإسلامي مع منتصف عام 2003 في مجال تجارتها الخارجية مع بعض الدول بدلاً من الدولار الأمريكي، في خطوة تهدف إلى جعل الدينار عملة موحدة للتبادل التجاري بين الدول الإسلامية. ووصفت الصحف الغربية هذه الخطوة بـ (القنبلة النقدية الإسلامية)، وتزعم أنها أشد فتكًا من القنبلة الذرية، حيث ستؤدي في حالة نجاحها إلى تقويض سيطرة الدولار الأمريكي وإنهاء انفراده بالساحة المالية العالمية.
الأمر المهم في الدينار الذهبي الذي تبناه رئيس وزراء ماليزيا د.محاضير محمد أنه يعكس استدعاء لرمز من تاريخ المسلمين وتطويره بما يتلاءم مع التطورات الاقتصادية العالمية، كما يشير إلى القدرة على إيجاد البديل الإسلامي خاصة في سياق دعوات المقاطعة لكل ما هو أمريكي بدءًا من السلع وحتى الدولار.
و لكن ما قصة الدينار تاريخه وعودته مرة أخرى وفوائده للدول الاسلامية وكيفية التعامل به...
الدينار تاريخيا :
قبل أن يطل علينا الدولار ويهيمن على العالم كان للمسلمين تراث في استخدام النقود حتى الخلافة العثمانية، فقد استخدمت أثناء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم القطع الذهبية البيزنطية، والدراهم الفضية الساسانية.
وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضعت الدولة الإسلامية بصماتها على العملات، رغم الإبقاء على أسماء جهة السك والتاريخ الروماني المنقوش على القطع المعدنية، وذلك بضرب الدراهم الفضية على الطريقة الكروية، ووُضِعَ معيار النقدين على أساس 1.43 درهم فضي لكل دينار ذهبي، إلى جانب إضافة عبارات إسلامية، مثل: "الحمد لله، محمد رسول الله، لا إله إلا الله".
وحين بويع الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه نقش على الدراهم الساسانية عبارة "الله أكبر، بسم الله". وقد تُدولت نقود البيزنطيين في الفترة الإسلامية الأولى حتى تولى عبد الملك بن مروان الخلافة خلال العهد الأموي (65-86هـ/ 684-705م) فأمر بضرب مسكوكات إسلامية خالصة؛ حيث قام الحجاج بن يوسف الثقفي بأمر الخليفة عبد الملك في سنة 66هـ بضرب أول درهم إسلامي من الفضة الخالصة منقوش عليه كلمة التوحيد "لا إله إلا الله وحده لا شريك له".
وفي سنة 73هـ/692م، شرع عبد الملك بن مروان في عملية تعريب منظمة للمؤسسات والنظم في البلاد التي فتحها المسلمون، وأنجز في عام 77هـ عملية ضرب الدينار الذهبي، ويعد ذلك أول مسكوكة إسلامية بالكامل من الذهب الخالص لا تحمل صورًا أو أسماءً لحكام غير مسلمين، وتعبر الآيات القرآنية المنقوشة على الدينار الذهبي عن أسس العقيدة الإسلامية. فقد كتب في وسط وجه المسكوكة كلمة التوحيد "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وفي المحيط أضيف اسم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى جزء من آية التوبة على هيئة شعار: "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله"، كما جاءت عبارة الوسط على الظهر جزءا من سورة الإخلاص "الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد".
وتم الحفاظ على شكل الدينار الذهبي طوال العهود الإسلامية إلى زمن الخلافة الإسلامية العثمانية التي كان لها قطعها من الدينار الذهبي والدراهم الفضية الإسلامية.
هيمنة الدولار:
منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى بداية الحرب العالمية الأولى، كانت لندن هي المستقر العالمي للعملات الدولية، وبالتالي مركز الثقل للمبادلات التجارية والتحويلات المالية الدولية، وذلك لما تمتعت بريطانيا بما لديها من ذهب إلى جانب احتلالها لمناطق كثيرة في العالم. وعلى أساس قاعدة الذهب، كانت العملات الرئيسية الحالية تقوم بما يلي:
1 ـ الجنيه الإسترليني: تم تحديد قيمته بوزن (7.988) جرامات من الذهب حيث احتل المرتبة الأولى بين عملات التجارة العالمية بنسبة 21% من إجمالي مدفوعات التجارة الدولية.
2 ـ الفرنك الفرنسي: تحددت قيمته بوزن (322.58) ملليجرام ذهب، واحتل المرتبة الثانية بنسبة 8% من التجارة الدولية.
3 ـ المارك الألماني: تم تحديد قيمته بوزن (398.2) ملليجرام ذهب، ولم يكن المارك يلعب دورًا مهمًّا في التجارة الدولية.
4 ـ الروبل الروسي: تحددت قيمته بوزن (744) ملليجرام ذهب، ولم يكن الروبل يلعب دورًا خارج حدود الإمبراطورية القيصرية.
5 ـ الدولار الأمريكي: بعد تقلبات عديدة تحددت قيمته بوزن (1.5) جرام ذهب، ودون أن يكون له دور على المستوى العالمي؛ نظرًا لعدم وجود مصرف مركزي (تأسس مصرف الاحتياط الفيدرالي الأمريكي سنة 1913).
ولما بدأت محادثات (بريتون وودز) سنة 1944 تحت رعاية الأمم المتحدة، بغرض وضع مسودة النظام النقدي الدولي، اقترحت بريطانيا على لسان مندوبها الاقتصادي الشهير "كينز" أن يوضع نظام لإصدار النقد العالمي يكون مرتبطًا بلجنة دولية لها حق الإشراف على ثبات أسعار الصرف (اتحاد المدفوعات الدولي)، لكن إصرار الوفد الأمريكي جعل حق الإشراف للمصرف المركزي الأمريكي. واستقر الدولار حينئذٍ ليكون هو النقد الوحيد الذي يصلح لأن يكون أداة التبديل بالذهب، وبسعر (35) دولاراً للأوقية الواحدة من الذهب.
ولكن في عقد الستينيات انخفض رصيد الدولار من الذهب من 100% إلى أقل من 20% كما أصاب الاقتصاد الأمريكي عجز كبير، وانخفاض في ميزان المدفوعات، وفي الميزان التجاري مع كثير من الدول. وقامت أمريكا بمحاولات لإنقاذ الدولار وطلبت من فروع البنوك الأمريكية خارج أمريكا أن تنقل ما بحوزتها من دولارات إلى داخل أمريكا، وذلك للتخفيف من عمليات استبدال الدولار بالذهب، في الوقت الذي كانت تقوم فيه كل من فرنسا وبريطانيا بعمليات استبدال مليارات الدولارات بالذهب، بقصد تفريغ الخزائن الأمريكية من الرصيد الذهبي، حتى سنة 1968؛ إذ وقع الدولار في أزمة مستعصية؛ وهو ما اضطر الرئيس الأمريكي نيكسون إلى إصدار قرار في 15 أغسطس 1971 يقضي بإلغاء تبديل الدولار بالذهب، ووضع القيود على كل الصادرات الخارجية التي تدخل الولايات المتحدة بنسبة 10%؛ وأدى ذلك الإجراء إلى موجة من الاحتجاجات عالميًّا، وأقفلت البنوك أبوابها، كما توقفت المؤسسات المالية والبورصات العالمية عن العمل.
ولكن هذا القرار ظل ساري المفعول، وانتقل العالم إلى مرحلة جديدة في نظامه النقدي وهي مرحلة هيمنة الدولار، وإلغاء الارتكاز إلى قاعدة الصرف بالذهب، حيث صار الذهب مجرد سلعة كباقي السلع التجارية، واستقر الحال لأن يكون الدولار هو قاعدة النقد، وعلى أساسه تثبت أسعار الصرف، وصارت المعاملات المالية وحركات البورصات والمبادلات التجارية، وتقييم أسعار صرف عملات الدول الأخرى مرتبطة بالدولار، ويتبع ذلك أسعار النفط وأسعار الذهب في الأسواق الحرة.
عودة الدينار الذهبي من ماليزيا