بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1)لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(2)هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(3)هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُمِنَالسَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ(5)يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(6)}.
الآيات الكونية ودلالتها على وجود الله تعالى للشيخ محمد متولي الشعراويإن الله سبحانه وتعالى وضع في كونه آيات تنطق بوجوده، وتشهد بعظمته، وتدل على أنه الإله الخالق، وقد خاطب الله ـ تعالى ـ كل العقول في كل الأزمان وحثها على التفكير في ملكوته سبحانه، وفي جولة تشمل مظاهر الكون والحياة في الأنفس والآفاق يستعرض الإمام الداعية محمد متولي الشعراوي ـ عليه رحمة الله ـ أدلة وجود الله ـ تعالى ـ المادية عن طريق العقل فقط في قراءة هادئة وهادفة، تخاطب العقول والقلوب وتدعوها للتفكر ثم الإيمان وذلك من خلال هذا الكتاب الذي نشرته (دار القلم ـ بيروت) في عام 1421هـ ـ 2000م ويقع في 111 صفحة بالحجم العادي ويتكون من مقدمة وستة فصول والذي أشرف عليه الأستاذ أحمد الزعبي.
الفصل الأول: لماذا الأدلة المادية والكونية؟
أوجد الله ـ سبحانه وتعالى ـ في هذا الكون أدلة مادية عقلية وأدلة نصل إليها بالحواس، كلها تنطق بوحدانية الله ووجوده وأن قضية الخلق محسومة لله ـ سبحانه وتعالى ـ وإذا قال بعض الناس إن هذا الكون خلق بالمصادفة، يرد عليهم: إن المصادفة لا تنشئ نظاما دقيقا لا يختل رغم مرور ملايين السنين، وبعضهم ادعى أنه كانت هناك ذرات ساكنة ثم تحركت وتكثفت واتحدت، فمن أوجد هذه الذرات، ومن حركها من السكون؟ وإذا قيل إن الحياة بدأت بخلية واحدة في الماء نتيجة تفاعلات كيماوية، فمن أوجد هذه التفاعلات لتصنع هذه الخلية؟ ومن ادعى أن أصل الإنسان قرد فهي نظرية غبية، ولماذا بقيت القرود ولم تتحول إلى بشر؟! ومن الذي منعها من التحول ما دام قد حدث في الماضي؟.
إن قضية الخلق محسومة لله ـ سبحانه وتعالى ـ، ولم يأت أحد ولن يجرؤ أحد على أن يدعي أنه الخالق، والتحدي الإلهي سيبقى قائما حتى يوم القيامة، فلن يستطيع علماء الدنيا ولو اجتمعوا أن يخلقوا ذبابة. والله تعالى أعطى في كونه الدليل على إطلاق القدرة، ولم يعطه في القوانين الكونية، لأنه لو أعطاه في القوانين الكونية فأشرقت الشمس يوما وغابت أياما، ودارت الأرض ساعات وتوقفت ساعات، وتغير مسار النجوم لفسد الكون!!
إذا فمن كمال الخلق أن تكون القوانين الكونية بالنسبة للنظام الأساسي للكون ثابتة لا تتغير وإلا ضاع النظام، وضاع معه الكون كله.
الفصل الثاني: يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات: 21)، فتطرق عن الروح في الجسد وقدرات الإنسان والاختيار والقدرة والضحك والبكاء، وأفعال الإنسان والإعجاز القرآني في النفس البشرية، والإنسان والتمييز، فمثلا لا تتشابه بصمة إبهام إنسان مع إنسان آخر رغم بلايين البشر، وإن النفس البشرية تعرف الله بالفطرة، وإنها لا تملك لذاتها نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله.
الفصل الثالث: الدليل الغيبي
يدور الفصل حول الدليل المادي الذي يؤكد أن الغيب موجود، وأننا إن لم ندركه بعقولنا وأبصارنا، فليس معنى ذلك أنه غير موجود. وهناك نوعين من الغيب: غيبا نسبيا، وغيبا مطلقا. فالأول لا يعتبر غيبا في علم الله وحده، بل يمكن أن يعرفه البشر، والغيب المطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ويعلم ما في الصدور وما تخفى الأنفس وما تعلنه، وما يحرص الإنسان على إخفائه عن الدنيا كلها، حتى في تلك الأشياء التي لا يمكن أن يتنبأ بنتيجتها أحد قبل حدوثها، كما تنبأ سبحانه بنتيجة معركة حربية ستحدث بعد تسع سنوات كما في سورة الروم.
وبين المؤلف ـ رحمه الله ـ أن عدم إدراكنا لوجود الشيء لا يعني أن هذا الشيء غير موجود، فإذا حدثنا الله ـ سبحانه ـ عن الملائكة وعن الجنة وعن النار وعن الشياطين، فلابد أن نصدق، ليس بالدليل الإيمان فقط، لأن القائل هو الله: ولكنه سبحانه في تحد أعطى الدليل المادي لغير المؤمن به والحياة الإنسانية شاهدة على أن الغيب موجود، أرادنا الله أن نكون شهداء على أنفسنا حتى لا نأتي يوم القيامة، ونقول: يارب لم تعطنا الدليل العقلي على أن ما هو غيب عنا موجود، فضلت عقولنا، يا رب لو أعطيتنا الدليل لكنا آمنا، ولذلك جاءت حياة البشر كلها شاهدة على ذلك، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ أعطى الإنسان وحده القدرة على أن يرث الحضارة ويضيف عليها، في حين سلب ذلك من كل مخلوقاته. وإذا كنا نتحدث عن دليل غيبي آخر يزيد من الأدلة العقلية التي تثبت وجود الله، فلابد أن نقرأ قوله تعالى: (لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) (طه: 6)، فلو قرأنا هذه الآية لعلمنا أن أحدا لم يكن يدري شيئا ولفترة طويلة عن معنى قوله تعالى: (وما تحت الثرى)، وكان كل ما تحت الثرى أو في باطن الأرض غيبا عنا، ثم أراد سبحانه أن يكشف لنا ما هو غيب عنا موجود، فكشف لنا ما تحت الثرى من كنوز رهيبة، حيث البترول والذهب والمعادن والمياه الجوفية وأشياء نفيسة وعالما هائلا يحتوي على مواد لم نكن نعلم بوجودها ولا نعرف شيئا عنها.
الفصل الرابع: الآيات الأرضية ودلالتها، حيث إن آياته سبحانه تملأ الأرض والسماء ولكننا غافلون عنها، فإذا مشيت في الطريق فهناك آيات، وإذا صعدت الجبل فهناك آيات، وإذا نزلت في قاع البحر وجدت آيات، وإذا صعدت إلى السماء كانت هناك أكثر من آية، وإذا نزلت إلى باطن الأرض فهناك آيات وآيات، وإن العلم كاشف لقوانين الكون. ثم تحدث عن معنى كروية الأرض (والأرض ممدناها) أي بسطناها، ولم يحدد أرضا بعينها، بل قال الأرض على إطلاقها، ومعنى ذلك أن أي أرض تراها أمامك ممدودة أي منبسطة، فإذا كنت في خط الاستواء فالأرض أمامك منبسطة، أو كنت في القطب الجنوبي أو القطب الشمالي أو في أي بقعة من الأرض، فإنك تراها أمامك منبسطة، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية، والقرآن الكريم يعطينا الدليل تلو الدليل على كروية الأرض يقول سبحانه: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا الَّليْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: 40)، ومعنى أن النهار لا يسبق الليل وأن الليل لا يسبق النهار، أنهما موجدان معا على سطح الكرة الأرضية، والحقائق الكونية في القرآن الكريم تتوالى، والآيات تلو الآيات، ويقول سبحانه: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) (الأنعام: 11). ولما لم يقل سبحانه سيروا على الأرض، ونحن نسير على الأرض، أي فوق سطحها وليس في بطنها، لكن الحقيقة العلمية أننا فعلا نسير في الأرض وليس على الأرض لأن هناك غلافا جويا يحيط بالأرض وهو جزء منها، ونحن لا نخرج من الأرض إلا إذا خرجنا من هذا الغلاف الجوي، وتحدث المؤلف عن معجزة الخلق في الشجر، حيث نرى الأشجار المختلفة والنباتات المختلفة، وهل فكر أحد منا في معجزة الخلق وكيف تحصل هذه النباتات على غذائها بواسطة جذورها الدقيقة التي تضرب في الأرض، وتعطينا الثمر، فنرى شجرة التفاح ثمرها حلو، وبجانبها الليمون طعمه حامض، وبجانبها الحنظل طعمه مر، وثمرة تأكلها وتترك ما بداخلها مثل المشمش والخوخ والبلح، وثمرة تنزع غلافها ولا نأكله كالبرتقال.. وغيرها.
الفصل الخامس: الأدلة المادية في أصل الكون وأصل الإنسان، يقول تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ) (فصلت: 53)، أي سيرون رؤية عين، ورؤية يقين.
وقوله تعالى: (حتى يتبين لهم أنه الحق) هو أن الذين سيرون غير مؤمنين، وإلا لو كانوا مؤمنين لعرفوا أنه الحق، ولما احتاجوا إلى هذا الدليل المادي، وأن خلق الجنين في القرآن ومراحل خلق الإنسان وما فيها من معجزات وآيات، وكذلك آيات في الكون لغير الإنسان، والأصل الواحد للكون، والوسائل العلمية الحديثة الآن تثبت ما قاله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، هذا كلام البرفيسور ألفريد كرونر، وهو عالم مراوغ، فقد كان يقول: (إن ما قاله محمد) لكيلا يشهد بأن هذا العلم قد أنزل من الله ـ سبحانه وتعالى ـ، فلما سئل كرونر: من الذي أخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا)، قال: ربما علم ذلك من الرومان، الذين كانوا متقدمين في هذه العلوم، وعندما سئل هل الرومان هم الذين أخبروا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن بلاد العرب ستعود بساتين وأنهارا؟ قال: لا يمكن أن يحدث ذلك إلا بوحي من السماء، وإعجاز يتلوه إعجاز، والآيات تعطينا سرا من أسرار الحياة وهو الماء، وعملية وجود الماء هي قدرة من الله، بخار الماء يصعد من المحيطات والبحار، ويتكثف في طبقات الجو العليا وينزل مطرا، فالماء رزق من السماء بقدرة الله.
الفصل السادس: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
بين المؤلف في هذا الفصل أن القرآن معجزة باقية إلى يوم القيامة، والقرآن معجزة ومنهج، وهو ما رسمه الله لنا كطريق للعبادة والحياة، تم تفسيره وبيانه كاملا في حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالعبادات والمعاملات وغيرهما بينه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتطرق المؤلف إلى أن اللغة تدل على الوجود وهي أساس التفاهم بين البشر، وآدم حين خلقه الله وخلق حواء، لابد أنه كان بينهما طريقة للتفاهم وإلا كيف تفاهما؟ ثم جاء أولاد آدم فكان بين آدم وحواء وأولادهما لغة التفاهم، ومن الثابت يقينا من القرآن الكريم أنه كانت هناك وسيلة للكلام، ومن المسلم به أن الإنسان لا يتكلم إلا إذا سمع، وإن اللغة أساسها السماع، فلابد أن آدم قد سمع حتى يستطيع أن يتكلم، إذن فلابد أنه سمع الأسماء من الله سبحانه وتعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) أي إن آدم تكلم وأنبأ الملائكة بالأسماء التي علمها الله له، ثم تحدث المؤلف حول لفظ الجلالة كلمة (الله) سبحانه وتعالى، من أين جاءت؟ إن الثابت لغويا أن المعنى لابد أن يوجد أولا ثم يوجد اللفظ أو الاسم، وإن العقل البشري يعجز عن فهم أي لفظ لم يوجد في عقولنا المعنى أولا: فلابد أن يعرف المعنى أولا ثم يفهم اللفظ، ولكن سبحانه وتعالى غيب عنا، لم يره أحد، ومع ذلك فإن لفظ الجلالة موجود في كل لغات العالم، والعقول كلها تفهمه، فلا يحدث هذا، إلا إذا كان في داخلنا الإيمان الفطري الذي يعرفنا معنى لفظ الجلالة، وأشهدنا على نفسه، وعندما ذكر لفظ الجلالة فهمناه وأشهد سبحانه وتعالى البشرية كلها، لأنه لا توجد لغة في العالم ليس فيها لفظ الجلالة، وإن لفظ الجلالة لن يطلق على أحد غير ذاته الكريمة، وفي هذا الكون الكفرة والملحدون وشياطين الإنس، فهل يوجد من سمى نفسه الله؟ لم يحدث ولن يحدث، ولا يمكن لبشر أن يتخطى مراد الله ليطلق لفظ الجلالة على نفسه. ثم يخبرنا المؤلف أن الخلق بدأ من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء، ثم جاء منهما كل هذا الخلق الذي نراه الذي يصل إلى كذا بليون، وكلما عدنا بالزمن إلى الوراء فإن العدد يتناقص، ويظل العدد يتناقص ويتناقص حتى نصل إلى النقطة التي بدأت عندها حياة البشر، فتكون هذه النقطة من ذكر وأنثى، وكون البشر يتزايد عددهم مع مرور الزمن ويتناقص عددهم كلما عدنا إلى الوراء في الماضي، فإذا ذهبنا إلى التاريخ نجد فيه الدليل المادي على وجود الله سبحانه وتعالى. ويخبرنا المؤلف أن الحق ـ سبحانه وتعالى ـ يذكر في القرآن الكريم شيئا عن حاكم مصر في عصر موسى ـ عليه السلام ـ ويسميه فرعون، ثم إذا أتينا سورة يوسف ـ عليه السلام ـ وجدنا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يروي لنا قصة يوسف في مصر، لم يلقب حاكم بفرعون، بل لقبه بالملك، إي إن يوسف عاش في مصر، وإنه خلال وجوده في مصر اختلف في القرآن الكريم اسم حاكم مصر، وفي هذه الفترة، احتلها الهكسوس، وهؤلاء لم يكونوا من الفراعنة، وحاكمهم يطلق عليه اسم الملك، وإن المصريين طردوا الهكسوس، وعاد الفراعنة إلى الحكم ثانية، من الذي أنبأ محمد ـ عليه السلام ـ بهذه الحقائق التاريخية التي لم يعرفها العالم إلا في الفترة الأخيرة بعد اكتشاف حجر رشيد؟ وكيف علم أن يوسف كان في عهد الهكسوس وإن موسى كان في عهد الفراعنة، وهكذا يعطينا ـ سبحانه وتعالى ـ الدليل المادي التاريخي على إعجاز هذا القرآن، وعلى أن الله يعلم ما في الدنيا والآخرة.
وأخيرا تطرق المؤلف لمعجزة الشراب وإن كل ما يشربه الإنسان هو من الله سبحانه، فالماء ينزل من السماء، واللبن من الحيوان وهو مخلوق بقدرة الله، والعلم البشري كله عاجز حتى الآن عن أن يسقي الناس الماء أو اللبن، وختم المؤلف كتابه بموضوع الشفاء والمرض (وإذا مرضت فهو يشفين)، فالطبيب يعالج فقط، والشفاء بيد الله وحده، وأمرنا أن نلتمس الوسيلة للعلاج وأن نأخذ بالأسباب
كل الشكر على الموضوع ونعتذر عن الأطاله فيما تم تجميعه وحصره للرد