على غير عادتها، أعلنت إسرائيل سريعاً استسلامها أمام هول الكارثة التي حلّت بها، وأقرّت بعجزها عن مواجهة الحرائق الهائلة التي نشبت أول من أمس في منطقة الكرمل، والتي كشفت عجز إسرائيل عن مواجهة الكوارث والحروب
علي حيدر
وجدت إسرائيل نفسها، أمس، مضطرة إلى الإقرار بأن الأمل الوحيد الباقي أمامها لوقف تمدد النيران في جبل الكرمل، هو وصول طائرات الإطفاء من الدول الأجنبية، وتحديداً من أوروبا، في وقت واصلت فيه النيران تمددها باتجاه مدينة حيفا وقرية عسفيا على قمة جبل الكرمل، وباتجاه مدينة طيرة الكرمل الواقعة في ساحل حيفا الجنوبي.
وتحدثت تقارير إعلامية إسرائيلية عن أن الرياح الشديدة المتغيرة الاتجاه تسهم في اتساع مساحة النيران وتصعّب على طواقم الإطفاء السيطرة عليها، وسط توقعات في مصلحة الإطفاء الإسرائيلية أن تتواصل عمليات الإطفاء لمدة أسبوع.
في هذه الأثناء، هبّت الكثير من دول العالم لنجدة إسرائيل، وبدأت المساعدات الدولية تصل تباعاً من اليونان وبلغاريا وقبرص وتركيا والأردن والسلطة الفلسطينية ومصر وروسيا وألمانيا وآذربيجان وإيطاليا وفرنسا وكل دول الاتحاد الأوروبي. وأعلنت السفارة البريطانية في تل أبيب أن مروحيتين تحملان عتاداً لإخماد الحرائق انطلقتا من قاعدة بريطانية في قبرص وتوجهتا إلى إسرائيل. وأرسلت بلدية نيويورك طائرة تحمل كميات كبيرة من المواد التي تعوق انتشار الحرائق والتي نفدت من المخازن الإسرائيلية.
كذلك حطّت في مطار بن غوريون، أمس، طائرة روسية عملاقة من طراز «ايل ـــــ 76»، وهي أكبر طائرة إطفاء في العالم، يمكنها حمل 42 طناً من المواد المخصصة لإخماد الحرائق.
❞المؤسسة الأمنية تشوّش أذهاننا باستعدادات الجبهة الداخلية لتلقّي صليات الصواريخ❝وبالرغم من حرارة اللهيب المتصاعد في إسرائيل، يبقى للسياسة مكان، إذ حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ختام جلسة طارئة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية للبحث في تبعات الحريق واستخلاص العبر، على شكر نظيره التركي رجب طيب أردوغان لإرسال طائرتين للمساعدة في إخماد الحريق، وعلى الإعلان للصحافيين أنه اتصل به وعبّر عن تعازي دولته وتعازيه الخاصة لعائلات القتلى الـ41، وعن استعداد تركيا لتقديم المساعدة.
ونقل موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني عن مسؤول في السفارة التركية في تل أبيب قوله إن «الأصدقاء يساعد بعضهم بعضاً»، وإنه «على الرغم من الخلافات، فإن تركيا هي صديقة للشعب الإسرائيلي، ومدّ يد العون هو أمر أساسي يقدمه الأصدقاء بعضهم لبعض في وقت الضيق. فهكذا تصرفت إسرائيل في الماضي تجاه تركيا، وهكذا تتصرف تركيا تجاه إسرائيل اليوم».
وفيما تلقّى نتنياهو العديد من الاتصالات من رؤساء وقادة الدول في العالم للمواساة والتعبير عن الاستعداد لنجدة إسرائيل، بادر الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال لقاء في البيت الأبيض لمناسبة عيد الأنوار اليهودي، إلى تقديم «تعازيه الحارة» لعائلات قتلى الحريق وأقاربهم.
وكما هو متوقع، كان لا بد أن يترك هذا الحريق، بحجمه ونتائجه الكارثية، تداعياته السياسية والداخلية، إذ كشفت حرائق الكرمل زيف الادّعاءات الإسرائيلية بشأن جهوزية الجبهة الداخلية لمواجهة الكوراث الطبيعية والحروب، والتي كانت محطّ انتقاد شديد من قبل المعلقين الإسرائيليين. وتساءلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن معاني «الكارثة»، وما يمكن أن يحدث لإسرائيل في حال نشوب حرب مع أعدائها. وبحسب الصحيفة: «ماذا لو سقطت صلية صواريخ في الجليل أو غوش دان وأحدثت هذا الحريق؟ تخيّلوا أن رشقات من الصواريخ سقطت وسبّبت اشتعال النيران في خمسة مواقع مختلفة في إسرائيل. فهذه الكارثة هي مثال واحد فقط على العجز الذي يعاني منه جهاز الطوارئ في دولة إسرائيل، وأضعف حلقاته هو جهاز الإطفاء».
وسخرت الصحيفة من الحديث عن استعدادات إسرائيل لمواجهة احتمال تساقط الصواريخ عليها، مشيرة إلى أن «المؤسسة الأمنية تشوّش أذهاننا منذ سنين باستعدادات الجبهة الداخلية لتلقي صليات الصواريخ، وأمس تحديداً تلقينا الجواب الحقيقي عن هذه الاستعدادات: لا نملك في الحقيقة جهاز إطفاء حرائق وطنياً».
من جهتها، شددت صحيفة «هآرتس» على معاني الفشل الإسرائيلي المتبدّي أمام حرائق الكرمل، وانكشاف قدرة تل أبيب الحقيقية حيال المواجهة العسكرية مع أعدائها، إذ «تبيّن أن إسرائيل غير مستعدة لحرب أو لحدث إرهابي كبير، يوقع إصابات كثيرة في الجبهة الداخلية، وهذا يشير إلى أنه لا أحد أقدم على ترجمة تحذير رئيس الاستخبارات العسكرية المغادر لمنصبه أخيراً، عاموس يدلين، من أن الحرب المقبلة ستكون أشد كثيراً من سابقاتها، وأن تل أبيب ستكون في مقدمة الجبهة». وبحسب هآرتس، «يستحسن ألا تخرج إسرائيل في هذا الوضع لمحاربة إيران، لأن المواجهة معها ستكون مصحوبة بإطلاق آلاف الصواريخ على الجبهة الداخلية»، مشيرة إلى أن «حرب لبنان الثانية كشفت سخافة أجهزة الدفاع المدني في إسرائيل، وفي أعقابها فُعّلت التدريبات والمناورات، لكن في الزمن الحقيقي أمس في الكرمل، تبدّى الفشل».
لمزيد من صور الحريق
أسباب الحريق المحتملة
علي حيدر
قتل نحو 40 سجّاناً إسرائيلياً، في أكبر حريق شهدته إسرائيل في تاريخها، إثر انقلاب حافلة تقلّهم في أحراج جبل الكرمل أمس. وأدى نشوب الحريق الى استنفار الدولة بكل أجهزتها. وناشد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «الدول الصديقة» لمساعدة إسرائيل على إطفاء الحريق، الذي كان لا يزال يتمدد مع دخول الظلام مساء أمس.
وفيما تعددت الروايات حول الظروف التي أدت الى مقتل هذا العدد الكبير من السجّانين الإسرائيليين، ذكرت نجمة داود الحمراء أن حافلة انطلقت من سجن الدامون، حوصرت بألسنة النار وكان على متنها نحو 50 شخصاً، ما إدى الى مقتل معظمهم. وأفادت تقارير إعلامية بأن الحافلة علقت وسط النيران خلال عملية الإخلاء، وأعاق هبوب رياح شرقية عمل طواقم الإنقاذ، التي حذرت من انتقال الحرائق الى مناطق أوسع.
وبفعل اتساع الحرائق، تدخل سلاح المروحيات في الجيش الإسرائيلي وعمل على نقل الإطفائيات من جنوب وشمال إسرائيل الى مكان الحريق للمشاركة في عمليات الإطفاء. وأخلت طواقم الإنقاذ سجن الدامون، حيث جرى نقل 150 من المساجين الى معتقل آخر على شاطئ الكرمل بالقرب من عتليت، فيما ستوزّع البقية على سجون مختلفة في المنطقة الشمالية. كذلك أخلي كيبوتس بيت أورون الذي احترق بالكامل، وجامعة حيفا، التي أخلي جميع الطلاب من حرمها، رغم عدم تعرضهم للخطر. وقد أخلي أيضاً عدد من سكان عسفيا، الذين أصيبوا جراء استنشاقهم الدخان.
وقد أدى الحريق الى قطع التيار الكهربائي عن بلدتي عسفيا ودالية الكرمل جراء قرب مكان الحرائق من البلدتين. وأغلق شارع 721 الذي يصل بين تقاطع عسفيا وبيت ليد أمام حركة السير في كل الاتجاهات للسماح لوحدات الإطفاء بالتحرك بسهولة.
وأعلنت «سلطة الطبيعة والحدائق» حال الطوارئ واستدعت طواقمها للمساعدة على إخماد الحريق الذي اتسع نطاقه وسبّب أضراراً كبيرة.
وفيما لم تعرف الأسباب الحقيقية لنشوب الحريق، تحدثت بعض التقديرات عن عوامل طبيعية تقف وراء الحريق في أحراج الكرمل، فيما أفادت مصادر الشرطة الإسرائيلية بأن أسباب الحريق قد تعود الى مكان تجميع القمامة المتاخم لمنطقة «عسفيا»؛ أما رئيس بلدية حيفا، يونه يهف، فقد رأى أن هذا الحدث كان متوقعاً وأن اندلاع الحريق في المكان كان مسألة، وقت وأن هذه هي أصعب الحرائق التي حدثت في المنطقة، حيث وصلت ألسنة اللهب إلى ارتفاعات عالية.
بدوره، قال رئيس بلدية عسفيا إن الوقت غير مناسب لتوجيه الاتهامات والمحاسبة، ويجب أولاً السعي إلى إنقاذ البيوت في المنطقة. ووصف أحد ضباط مصلحة السجون نتائج الحريق بأنها أسوأ من أي عملية في غزة.
وناشد نتنياهو الدول الأجنبية، واتصل على الأخص بقادة إيطاليا وروسيا وقبرص واليونان، طالباً منهم إرسال قوات لمساعدة إسرائيل في إخماد الحريق. ورجّحت وسائل إعلام اسرائيلية وصول قوات إطفاء حرائق من روسيا وإيطاليا وقبرص. ونتيجة لهذا الحريق، ألغى نتنياهو جميع لقاءاته وجدول أعماله وتوجّه إلى منطقة جبل الكرمل. وأوضح رئيس الحكومة لوسائل الإعلام أنه أصدر تعليماته بتشكيل طاقم عمل خاص لمتابعة الجهود لإخماد الحريق وتجنيد كل القوات المطلوبة من جميع الأجهزة التي بإمكانها تقديم العون لإخماد الحريق.
وأكد نتنياهو التقارير التي تحدثت عن حجم الحريق بالقول إن «حجم الكارثة لم نعهده من قبل وسوف نضطر إلى استخلاص الكثير جداً من العبر لمواجهة هذا النوع من الكوارث». لكنه أضاف بأن التركيز الحالي هو على إنقاذ حياة الناس.
بدوره، سلط الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، الأضواء على الجهود التي تبذلها فرق الإطفاء وأثنى عليها بالقول «قلوبنا جميعاً مع رجال فرق الإطفاء الذين يكافحون بشجاعة مدهشة، والذين أصيب جزء منهم». وأضاف «إننا نصلي من أجل حصول معجزة، ونصلّي لسلامتهم، ونصلّي لانتهاء الحريق».